من العمليات إلى التقنية: إستراتيجية شاملة لتعزيز كفاءة التكاليف

Archive

لطالما كنت من المؤيدين للدور الذي تلعبه العمليات والضوابط الداخلية في تعزيز كفاءة المؤسسات وتجاوز عوائقها، فعندما تعتمد الشركات أطر الضوابط الداخلية إضافة إلى توحيد العمليات والامتثال التنظيمي والتقنية، فإنها بذلك تفتح آفاقً واسعة لتحقيق التحسينات الملحوظة في إدارة التكاليف، وذلك من خلال الكشف عن التكاليف الخفية والحد من الهدر المالي.

وفي ظل التحديات الراهنة التي تضغط على هوامش الربح، أصبح من الضروري اعتماد أطر امتثال متينة وعمليات موحدة تشمل إدارة المخاطر والمعايير التشغيلية، مع التركيز على أتمتة سير العمل لتحقيق أقصى درجات الكفاءة. ورغم اتساع مجال التحسين وتعدد الفرص المتاحة، إلا أن كثير من الأشخاص ينظرون إلى هذه الممارسات من زاوية الامتثال والرقابة فحسب، الأمر الذي ينعكس بتكاليف باهظة على الشركات. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى توسيع منظورنا نحو أطر الحوكمة ليشمل تحسين الكفاءة التشغيلية على نحو شامل ومستدام.

وأحرص دائماً على تذكير فريقي بأن هذه العناصر لا تقتصر على كونها أدوات للحد من المخاطر أو إجراءات للتدقيق فحسب، بل تمثل محركات جوهرية لتحقيق تحسينات شاملة ومستدامة في التكاليف.

وفي قطاع إدارة المرافق (FM)، لم يعد الدور التقليدي المقتصر على الجودة والامتثال كافًيا، لاسيما في ظل التحديات المتصاعدة التي تواجه هوامش الربح. فقد غدا الامتثال اليوم عنصراً جوهريًا في تعزيز الكفاءة التشغيلية، بدءًا من إدارة الرواتب، مرورًا برفع إنتاجية القوى العاملة وانسيابية سير العمل، وصوًلا  إلى أوامر العمل وإدارة المخزون واللوجستيات وضبط التكاليف التشغيلية العامة.

وأظهرت مراجعاتنا المستمرة لإدارة العقود حقيقة مفادها أن ضعف فعالية الضوابط والانحراف عن الإجراءات المعتمدة يؤديان إلى خسائر مالية وحالات سرقة، ومن هذا المنطلق، لا ينبغي أن يقتصر دور التدقيق على اكتشاف هذه الثغرات والفرص الضائعة، بل يتعين على المختصين في القطاع أن يتبنوا نهج استباقي يهدف إلى حماية أنظمة الإدارة وتعزيز كفاءتها وتحسينها بشكل مستدام.

وينبغي على شركات إدارة المرافق تعزيز ثقافة مؤسسية ترتكز على الضوابط الداخلية، والامتثال، مع دعم قوي للتقنية وأتمتة سير العمل. هذه العوامل باتت اليوم ضرورية لاستدامة كفاءة التكاليف، خصوصًا مع تزايد ضغوط الهوامش، ولا تقتصر فائدتها على المرونة التشغيلية وتميز الخدمة فقط، بل تمتد لتشمل تعزيز الاحتفاظ بالعملاء ورفع سمعة العلامة التجارية.

محاور أساسية لتعزيز كفاءة التكاليف:

 

  • الضوابط الداخلية:
    تلعب الضوابط الداخلية دورًا محوريًا في تعزيز المساءلة وتوحيد العمليات ورفع مستوى شفافية الأداء. فهي تحمي الموارد وتحد من الهدر وأخطاء الفوترة وانكماش المخزون والاحتيال، وهي جميعًا مصادر خفية للتكاليف في إدارة المرافق. كما تسهم هذه الضوابط في توحيد الإجراءات عبر المواقع والعقود، مما يقلل من التكرار ويعزز الرقابة الفعالة على مؤشرات الأداء التشغيلية والمالية في الوقت الفعلي، الأمر الذي يتيح إدارة استباقية للتكاليف. في المقابل، فإن غياب ضوابط فعّالة يعرض الشركات لمخاطر جسيمة تشمل السرقة والانتهاكات وتفاوت جودة الخدمة، ما قد يؤدي إلى غرامات مالية وتآكل الأرباح.
  • الامتثال:
    لا يقتصر دور الامتثال على الحد من المخاطر أو تفادي الغرامات، بل يمثل فرصة حقيقية لتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف. إذ يضمن الامتثال الالتزام بالمتطلبات التنظيمية والقانونية، ويحافظ على استمرارية العقود ويعزز ثقة العملاء، وهو ما يسهم في تقليل التكاليف مقارنة بجهود استقطاب عملاء جدد. ومع ذلك، ما زالت النظرة السائدة للامتثال محصورة في كونه أداة للدفاع والتخويف، بدلاً من اعتباره وسيلة استباقية لرفع مرونة الأعمال وتقليل الهدر. إن التزام الشركات بأطر الامتثال يعزز الانضباط ويحد من نفقات الأزمات، مما يجعله أداة فعّالة لتحقيق وفورات طويلة الأجل.
  • التقنية وأتمتة سير العمل:
    تمثل التقنية المحرك الأساسي لعمليات رشيقة وفعّالة، إذ تسهم أتمتة المهام المتكررة مثل توجيه أوامر العمل، وترميز الأصول، وإدارة الحضور في تقليل الاعتماد على العنصر البشري والحد من الأخطاء. كما تدعم أنظمة مثل إنترنت الأشياء(IoT)، وأنظمة إدارة المرافق بمساعدة الحاسوب(CAFM)، وأنظمة إدارة المباني (BMS) الصيانة التنبؤية، مما يقلل من الإصلاحات الطارئة ويحد من التوقفات المكلفة. وتبرز كذلك أهمية تعزيز الرقابة الميدانية وإدارة مخاطر الاحتيال من خلال تحميل المسؤوليات وتوفير التدريب المستمر. بالإضافة إلى ذلك، تتيح الأتمتة إدارة فعّالة للموارد، من المواد الاستهلاكية إلى قطع الغيار، عبر قرارات مستندة إلى البيانات. وإن كل سير عمل يتم أتمتته يسهم في تقليص التأخيرات، وتقليل الجهد اليدوي، وتسريع وتيرة الإنجاز، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على خفض تكلفة الوحدة أو المهمة، ويفتح المجال أمام فرص جديدة لتحسين الإيرادات.

وفي الختام، آن الأوان لأن يدرك العاملون في قطاع إدارة المرافق، بحكم طبيعته المعتمدة بدرجة كبيرة على القوى البشرية، وتمحوره حول عمليات عرضة للأخطاء، ونماذج عمل تعاني من ضغوط هوامش الربح، أن مواطن الهشاشة تكمن في غياب ثقافة صارمة لإدارة المخاطر وغياب نهضة تقنية متطورة. إن هذا النموذج لا يقتصر على حماية المصالح المالية فحسب، بل يُعد استراتيجية جوهرية للحد من المخاطر، وتجنب تعطل الأعمال، وضمان الحفاظ على رضا العملاء.

Scroll to Top