كل ما يجب على شركات إدارة المرافق والمنشآت في المملكة العربية السعودية من أجل العمل على استراتيجية مؤثرة وفعالة للتوطين
نتيجة للطلب الكبير والملحوظ في مجال إدارة المرافق والمنشآت في المملكة العربية السعودية، يظل توظيف المواطنين السعوديين واحدة من أصعب المهام التي قد تواجه شركات إدارة المرافق والمنشآت على إدارتها، فهناك الكثير من العوامل التي قد تؤثر على الأهداف المرجوة وعلى عملية التوظيف والحفاظ على عليهم، فلا يكمن الهدف في توظيف الأعداد والامتثال لنسب التوطين وللوائح فقط، بل وكذلك الحفاظ على الموظفين وتطويرهم. أود أن أذَكر الجميع أن توظيف السعوديين والاحتفاظ بهم يجب ألا يُنظر إليه كالتحدي، بل كفرصة استثنائية وميزة تنافسية ضخمة تُقدم لشركات إدارة المرافق والمنشآت، وهي نقطة أساسية لنجاح الأعمال.
ومع ذلك، تظل هذه المهمة شاقة عبر المجال، حيث أن الكثير من الشركات تجد صعوبة في تحقيق أهدافها والفوائد المرتبطة بها، وهذا يتطلب إرادة مبتكرة وصريحة من جانب أصحاب العمل، ولقد رأينا كيف استفادت الشركات التي تتمتع بسجل قوي من الإنجازات في توطين (سعودة) موظفيها من السعوديين الجاهزين لخوض التجارب الوظيفية، وتفشل الشركات في التوطين والاحتفاظ بالموظفين عندما تتبع نهجاً لمعالجة تحديات ثلاثي الأبعاد من خلال العمل مع ظروف السوق والتأوه بشأن الوضع الراهن، ومن الواضح أن الظروف لن تتغير ما لم تأخذ شركات إدارة المرافق والمنشآت زمام المبادرة بمشاركة نشطة في عملية التوطين للتنافس والمشاركة في رؤية 2030، مما يثبت موقعها في مقدمة الشركات التي تهم.
وفي مجال إدارة المرافق والمنشآت في المملكة العربية السعودية، يحتاج جميع أصحاب المصلحة إلى امتلاك استراتيجية وخطة واضحة، ويتطلب ذلك التزاماً قوياً ومشاركة من جميع المعنيين، وليس فقط من قسم الموارد البشرية، وهنا تصبح استراتيجية إدارة المواهب المبتكرة مطلوبة، ويجب عليهم التعرف على التحديات وجلب جميع الأطراف المعنية لتولي القيادة وتنفيذ الاستراتيجية من البداية، ويجب أن تتبنى مثل هذه الاستراتيجية أساليب مبتكرة تتجاوز الطرق التقليدية.
ونفهم أن توظيف الموظفين الفنيين الماهرين في المملكة العربية السعودية يشكل تحدياً لأسباب كثيرة كبيئة سوق العمل المحلي، بالإضافة إلى العرض والطلب، وقضايا أخرى تعقد عملية تلبية احتياجات التوظيف.
فيما يلي أبرز التحديات التي يجب معالجتها من خلال نهج شامل لمواجهة هذه القضايا:
ضعف المهارات – التفاوت بين العرض والطلب:
هناك نقص كبير في المهارات التقنية في إدارة المرافق والمنشآت في المملكة العربية السعودية، خاصة في مجالات الهندسة والصحة والسلامة والضيافة والطاقة المتجددة والتشغيل وإدارة المشاريع، والطلب على السعوديين المؤهلين في هذه المجالات مرتفع، لكن هناك قلة من المحترفين المتاحين لملء هذه الشواغر الفنية المتخصصة، ويعود هذا النقص في المقام الأول إلى قلة اهتمام الخريجين بمهن إدارة المرافق والمنشآت، بالإضافة إلى محدودية العروض الجامعية في هذه التخصصات، مما ساهم في نقص كبير في قوى العمل الماهرة في هذا المجال، بالإضافة إلى ذلك، هناك فرص أقل في المناصب المبدئية مثل المشرفين الفنيين، والفنيين وعمال النظافة، ونتيجة لذلك، يظل عدد العمال الماهرين في سوق العمل السعودي محدود.
فجوات التعليم والتدريب:
رغم أن المملكة العربية السعودية تستثمر بجد في التعليم مع التركيز على التدريب المهني، إلا أن العديد من الخريجين ما زالوا يفتقرون إلى الخبرة العملية في المجالات الخاصة بالمجال، بما في ذلك الأدوات والتقنيات والافتقار إلى الكفاءة بشكل خاص، وتستمر المشكلة مع طلب العملاء الخبرة وعدم امتلاك الشركات القدرة على تدريب الخريجين داخل الشركة.
المنافسة على المواهب:
المنافسة العالية من الشركات المحلية والعالمية الكبرى، خاصة في قطاعات النفط والغاز وتقنية المعلومات، والهندسة، تجعل من الصعب النظر في الجانب الاقتصادي. المشاريع المدعومة من الحكومة ومبادرات رؤية 2030 عادة ما تجذب أفضل المواهب السعودية، مما يجعل من الصعب على الشركات الخاصة المنافسة.
تحديات الحفاظ على الكفاءات الوظيفية:
هناك معدلات دوران عالية، خاصة بين المهنيين السعوديين الماهرين، بسبب العروض من المنافسين أو تفضيل العمل مع الجهات الحكومية، ولكن في بعض الأحيان تفشل الشركات في دمج السعوديين، مما يؤدي إلى مشاكل الحفاظ على الكفاءات السعودية، خاصة عندما تكون هناك حاجة لتعديلات ثقافية في صناعة يهيمن عليها الوافدين، وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه يتغير بتبني الشركات على فكرة التنوع، إلا أن جذب المواهب السعودية يشكل تحدياً كبيراً.
توقعات الرواتب والمزايا:
يتوقع المهنيين السعوديين رواتب ومزايا مماثلة لتلك التي تقدمها القطاع العام أو الشركات متعددة الجنسيات، وهو ما يمكن أن يكون مكلفاً بالنسبة للمؤسسات، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ضعف البنية التحتية التدريبية والمحتوى التدريبي الغير كافي:
تحتاج الشركات إلى الاستثمار في تحسين مهارات المواهب المحلية لتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية، حيث إن توفر بنية تحتية تدريبية متخصصة محدودة في الداخل وبرامج تدريبية تقلل من سرعة تطوير القوى العاملة، مما يعيق توظيف المواهب والاحتفاظ بها.
التحول الرقمي وتطور الأدوار الوظيفية:
التغيرات التقنية السريعة في إدارة المرافق المنشآت تتطلب إعادة التدريب المستمر، وهي ما تكافح العديد من الشركات لتوفيره بسبب نقص الموارد أو القدرات التدريبية، وتتطلب كل من الأدوار الجديدة في الاستدامة وأتمتة المباني وعلوم البيانات خبرة متخصصة وهي غير متوفرة محلياً بشكل كبير.
الحواجز اللغوية والثقافية:
تعتبر القدرة على التحدث بلغتين قيمة في المجالات الفنية، رغم أن جميع المرشحين المحليين قد لا يكون لديهم نفس مستوى الكفاءة، فمن المهم ملاحظة أن العديد من مرشحي إدارة المرافق والمنشآت، وخاصة الفنيين، قد لا يكونون متقنين للغات بشكل كافٍ، ويمكن أن تشكل هذه المسألة تحديات تتعلق بالتكيف الثقافي للتوظيف المحلي.
العوائق القانونية:
غالباً ما لا تفهم الشركات الخاصة الامتثال لقوانين وأنظمة العمل السعودية ولوائح العقود وظروف العمل المتعلقة بالتوطين. غالباً ما يتم إدارة هذه القضايا بشكل غير جيد، مما يؤثر على تجربة الانضمام والمشاركة. كما أن التغييرات المتكررة في سياسات التوظيف، مثل الإصلاحات العمالية وحصص التوطين، تتطلب التكيف والمرونة من فرق الموارد البشرية بشكل مستمر.
أعتقد أن معظم هذه التحديات يمكن تخطيها من خلال خطة منظمة وتنفيذ تدابير محددة والمذكورة أدناه، ولكن يتطلب ذلك عزيمة وإرادة من جميع الأطراف المعنية، ويجب أن يصبح هذا المعيار من مؤشرات الأداء الرئيسية (KPI) للموارد البشرية وجميع الأشخاص الرئيسيين في المؤسسة والذين يدعمون هذه المبادرة.
التوظيف والاستقطاب:
نظراً لنقص المهنيين ذوي الخبرة في المجال الفني في المملكة العربية السعودية، يجب على الشركات تطوير استراتيجية التوظيف التي تركز على بناء المواهب من الخريجين الجدد من خلال برامج تدريبية قوية للمبتدئين، وينبغي أن تكون العمليات التعريفية شاملة مع التعلم المستمر من خلال التدريب العملي، بمشاركة مرشدين وقادة سعوديين، لذلك، يجب على الجامعات اتباع أساليب مبتكرة لجذب المواهب المحتملة، وخاصة من بين خريجي تخصصات الهندسية والضيافة.
تضمين التوطين:
يجب أن يركز الاهتمام على الاحتفاظ بالمواهب السعودية من خلال عمليات الانضمام المبتكرة وبرامج التقدم المدفوعة بالتعليم والتطوير، وتبقى مشاركة القوى العاملة السعودية أساسية في دفع الشركة نحو الاحتفاظ بالموظفين، ويجب على الشركات إنشاء مسارات مهنية في إدارة المرافق والمنشآت لجذب الشباب السعوديين.
تعزيز القيادة والمهارات الشخصية:
يجب أن تركز الشركات على تطوير تدريب القيادة والذي يركز على التفكير الاستراتيجي والتواصل وحل المشكلات، وتشجيع المهنيين السعوديين في مجال إدارة المرافق المنشآت على تولي الأدوار الإدارية والتنفيذية الذي سيساعدهم على أن يصبحوا مرشدين في المستقبل للشباب السعوديين.
تعزيز برامج التعليم والتدريب:
دائماً أؤيد بدمج إدارة المرافق والمنشآت في التعليم العالي والتدريب المهني عبر الكليات والمعاهد، ويجب على الشركات التعاون مع الجامعات السعودية والمعاهد التقنية لإدخال درجات متخصصة أو شهادات في إدارة المنشآت وتطوير برامج تدريبية تجمع بين التعلم النظري والتدريب العملي.
تطوير المهارات العملية من خلال الشهادات المعتمدة يشجع المهنيين السعوديين في إدارة المنشآت على التعلم باللغتين:
أ. السعي للحصول على الشهادات المعتمدة من الهيئات المهنية مثل الجمعية الدولية لإدارة المنشآت (IFMA)، والمعهد البريطاني لإدارة المنشآت (BIFM)، وشهادة القيادة في الطاقة والتصميم البيئي (LEED).
ب. يمكن للشركات التعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية (HRDF) لدعم برامج التدريب.
ت. تقديم تدريب على المهارات الرقمية بالتوازي مع الاتجاهات الجديدة المتعلقة بتقنيات إنترنت الأشياء (IoT)والصيانة التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التوأم الرقمي، بما في ذلك توفير التدريب على المباني الذكية والأتمتة وكفاءة الطاقة.
الاستفادة من التقنية والابتكار:
أ. إدارة المنشآت الذكية: تطبيق الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الكبيرة في عمليات المنشآت، وتعزيز استخدام أنظمة إدارة الصيانة المحوسبة (CMMS).
ب. منصات التدريب الرقمية: إطلاق منصات التعلم الإلكتروني التي تستخدم محاكاة باستخدام تقنيات الواقع المعزز/الواقع الافتراضي (AR/VR) للتدريب العملي في إدارة المنشآت، وإنشاء منصة وطنية لتبادل المعرفة في هذا المجال. إن المبادرات مثل EXPRO تمثل خطوة مرحب بها في هذا الاتجاه.
التعاون ودعم السياسات
التعاون مع المنظمات السعودية الكبرى، وخاصة تلك التي تتمتع بوجود قوي في مجال إدارة المنشآت ومطوري العقارات، لإنشاء برامج توظيف في إدارة المنشآت.
التعاون مع الجهات الحكومية لتأسيس معايير صناعية لإدارة المنشآت. يمكن للشركات الكبرى استضافة قمم ومؤتمرات حول إدارة المنشآت لتسهيل تبادل المعرفة.
الاستدامة وممارساتها في إدارة المرافق والمنشآت
تدريب المهنيين في إدارة المنشآت على عمليات المنشآت المستدامة وتقديم إرشادات لبناء منشآت صديقة للبيئة ذات طاقة صفرية وشهادات خضراء لإدارة المنشآت.
يجب على الشركات الاستثمار في تطوير المواهب المحلية من خلال التدريب والشراكات مع الجامعات. إن الاستفادة من قوى العمل المحلية وبناء العلامة التجارية للمؤسسة يمكن أن يحسن استراتيجيات التوظيف. يجب على الشركات تقديم حزم تنافسية لجذب والاحتفاظ بالمحترفين المتميزين. ومن المهم الاستفادة من الحوافز الحكومية لتوظيف وتدريب السعوديين.
ومن خلال دمج التعليم، والتكنولوجيا، والتوطين، وتدريب القيادة، ومبادرات الاستدامة مع سياسات قوية للاحتفاظ بالموظفين، يمكن لصناعة إدارة المنشآت في المملكة العربية السعودية تطوير قوى عاملة جاهزة للمستقبل تتماشى مع رؤية 2030. مع وجود أكثر من نصف مليون وظيفة في مجال إدارة المنشآت قيد التنفيذ على مدى السنوات السبع إلى العشر القادمة، فإن هذا الموضوع يتطلب اهتماماً عاجلاً. إذا تم تنفيذ التدابير المذكورة أعلاه بشكل حازم، ستكون المملكة العربية السعودية قادرة على توفير قوة عاملة مهنية ذات مهارات تقنية، وقوة محلية متمكنة، ومنافسة على المستوى العالمي في مجال إدارة المنشآت.